عائلة بهار.. حكاية مأساة تدمي القلب
حسن : تلقيت خبر استشهاد طفلتي وأنا على سرير العلاج بمصر
الرضيعة تسنيم لفظت أنفاسها الأخيرة في حضن والدتها
حملت الحرب على غزة في جعبتها العديد من القصص والمآسي المؤلمة.. جراح لم تندمل بعد عام منها وعائلات مازالت مشردة..
"الرسالة نت" تروي قصة الشرطي حسن بهار - 27 عاما - الذي تراكمت الأحزان في قلبه , فقد أصيب في جميع أطرافه بكسور في المجزرة الأولى على مقر الجوازات , كما فارقه زملاء العمل التي أصبحت أجسادهم أشلاء , أما المأساة الأكبر التي حلت بحسن فهي استشهاد قرة عينه طفلته تسنيم أثناء تلقيه العلاج في مصر.
ذكريات.. ودماء
يقول بهار ومازال مشهد أشلاء رفقائه المختلطة بالدم عالقا بذاكرته:" كنا في دورة تنشيطية لأفراد الشرطة في مقر الجوازات بغزة , وكانت الدورة تشمل 50 فردا , وفجأة وأثناء التدريب صرخ زميلي :" صاروخ.. صاروخ " فهربنا والصواريخ تتساقط فوق رؤوسنا وتناثرت الجثث ", ثم سكت برهة من الزمن وكأنه عاد ليعيش اللحظة :" تعرضت للإصابة فلم استطع بعدها المشي فبدأت بالزحف بعيدا عن أنظار الطائرات التي كانت تستهدف كل شيء متحرك" .
بهار عاد إلى يوم الحرب الأول متحدثا عن إصابته:" بدأت سيارات الإسعاف بالتهافت على المقار الأمنية لإنقاذ من بقيت فيه الروح (...) لم ينج من مجموعتي إلا ثلاثة وارتقى الباقون شهداء , وتم نقلي إلى مشفى الشفاء للعلاج .
الجدير بالذكر بأن حسن بهار نجا من قصف إسرائيلي في عام 2004 لتدريب عسكري لكتائب القسام استهدف مجموعة من المجاهدين على جبل الشعف.
اليوم يداعب حسن طفله علي بعد عام على المأساة , ويتذكر كيف تلقى خبر استشهاد طفلته تسنيم ابنة العام والأربع شهور بالقول :" تلقيت خبر استشهاد تسنيم وأنا على سرير العلاج في مصر وشعرت بالحزن الشديد لفراقها , ولكني توقعت أي خبر سيء لما رأيته في أول يوم من همجية ووحشية الاحتلال وحبه في سفك الدماء, فكل أهل القطاع كانوا معرضين للخطر ".
لماذا قتلوها؟
أما والدة تسنيم فلم يغب صوت طفلتها الرقيق وهي تنادي "ماما" وتجري مسرعة لترمي نفسها في حضن والدتها عن بالها فتتذكرها وتبكي متسائلة :" لماذا قتلوا طفلتي الرضيعة ؟ ثم تصمت لحظة وتعاود استرجاع ذاكرتها وتقول :" كان العدو مستمرا في إلقاء قذائف الفسفور الحارقة في سماء الحي (...) كانت رائحته كريهة , بعد أيام قليلة ظهر على تسنيم التعب وبدأت تنهج وأصبح لديها صعوبة في التنفس , وازرقاق في جسدها ".
بدأت الأم تبحث عن دواء لابنتها , ولكن السماء تمطر قذائف وصواريخ فوق الرؤوس , فعادت إلى وصايا الجدة وأعدت لطفلتها "تبخيرة البابونج" , ولكن لا فائدة , وقالت :" اتصلنا بالإسعاف لكنه لم يستطع الحضور .
يذكر بأن عائلة بهار تقطن في حي الشعف شرق مدينة غزة والذي تعرض لهجمات عنيفة من تجريف الأراضي وهدم المنازل وإلقاء قذائف الفسفور الأبيض.
الأنفاس الأخيرة
بالرغم من تأزم الحالة الصحية للرضيعة تسنيم إلا أنها لم تتوقف عن السؤال عن والدها وكأنها تريد الاطمئنان عليه قبل الوداع ولكن دون فائدة , فجلست في حضن والدتها التي انفطر قلبها حزنا عليها وهي تختنق , التي قالت:" ما في اليد حيلة إلا أن أضمها لصدري وأدعو الله بان يخفف عنها (...) فبدأت طفلتي تردد "ماما ..ماما" وتبكي إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة في حضني ".
يبدو أنه أجمل مكان بالنسبة لتسنيم لتلفظ أنفاسها الأخيرة , ولكنه أصعب شعور بالنسبة للام بان تفقد فلذة كبدها وهي في حضنها .
وتضيف الأم بألم وحسرة "حرام عليكو " وكأنها رسالة من قلب أم مجروح فقدت أغلى ما تملك , لتوجهها لكل من شارك في قتل طفلتها البريئة , من همجية الاحتلال وحصار خانق وصمت عربي ودولي و..و..
فلقد برع الاحتلال الإسرائيلي في استخدام الأسلحة المحرمة دوليا في الحرب على غزة , ومن أكثرها فتكا قذائف الفسفور الأبيض التي لمعت في سماء القطاع كالعاب نارية في ليلة العيد , ولكنها حرقت الأجسام ورفعت من عدد المواليد المشوهة ومعدلات الإجهاض المبكر وكذلك تأثيرها على الأرض والتربة .
أما التشخيص الطبي لحالة وفاة الطفلة تسنيم فهي سكتة قلبية نتيجة الاختناق من قذائف الفسفور الأبيض.
مع العسر يسر
وبعد استشهاد الطفلة تسنيم رزق الله والديها بطفل اسماه والده "علي يحيى " وقال للرسالة:" أسميته علي يحيى ليحيا ويصبح مجاهدا في سبيل الله وليدافع عن وطنه وقضيته العادلة , ودعوت الله وأنا على جبل عرفات في الحج بان يسلك طريق المجاهدين وان يكون من الذرية الصالحة ."
وأضاف حسن بصمود وتحد :"رغم إصابتي صممت على العودة إلى مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية , وسأتابع مسيرتي التعليمية ليعلم الاحتلال بأننا شعب صامد ولن ينكسر ".